البحث

تزويج القاصرات بين التمتع بحقّ التّعليم وإكراهات الواقع | حنان قدامة

post-title

    من  المسائل البارزة التي استعرضها الخطاب الملكي الأخير ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات مدونة الأسرة والسهر على تجاوز بعض السّلبيات التي تحول دون تحقيق  أهدافها المسطرة

من ضمن السلبيات التي تستدعي  فتح نقاش جاد حولها سلبيات تطال ظاهرة راهنة  تخدش جسد المجتمع  المغربي متجلّية  في ظاهرة تزويج  القاصر
ظاهرة تزويج القاصرات  ـ في واقع الحال ــ تعدّت مقاصد المشرّع في تضييق هذا الزواج وتجاوزت فلسفته في جعله استثناء قانونيا، يحرص قضاة الأسرة على احترام شروطه المقيّدة حماية لمصلحة القاصر الفضلى. 
تعتبر مصلحة القاصر الفضلى  مبدأ أساسيا من مبادئ حقوق الطفل التي أقرّها الدستور المغربي ومن بينها  حق التعليم ،غير أن تزويج القاصرات دون سن الثامنة عشر يحول بينهن وبين التمتّع بهذا الحق ليجبرن على زيجة لا يملكن قرارها وعلى حياة زوجية لا يقدّرن التزامها.   
 من المعلوم أن عقد الزواج هو أقوى العقود وأقدسها   فهو بمثابة الميثاق الغليظ المعمول من أجل ضمان الدّيمومة ،ومن المعلوم أيضا أن الرّضا هو أساس العقود  غير أن ذاك الرضا في تزويج القاصرات نجده مشوبا بعيب من عيوبه الأربعة متمثلا في عنصر الإكراه سواء البدني أو النّفسي، الممارس  على قاصر غير متمتعة بسلطان الإرادة السليمة ،وغير مالكة لقرار الاختيار الواعي الذي يقاوم كل وهم كاذب ،وكل ضغط حازم يلجأ  إليه آباء تقود قراراتهم أحيانا موروثات  ثقافية  ، وكثيرا ما يعوزهم الفقر فيسعفهم تزويج بناتهم القاصرات
من اللاّفت أن تزويج القاصرات يفرض واقعا ملغوما متمثل في تأسيس أسرة ــ اللبنة الأولى للمجتمع ــ أحد أعمدتها قاصر لم يأنس منها مجتمعها ــ  المتغيّر اجتماعيا وثقافياــ  رشدا ،لم يأنس منها نضجا فكريا وعاطفيا وانفعاليا وهي الشروط التي تنبني عليها كل علاقة زوجية ناجحة
إنّ التغيّر الاجتماعي والثقافي الذي يشهده المجتمع المغربي فرض أنماط  حياة جديدة كما فرض  تغييرات  في أولويات أفراده، ونصّب التعليم في مقدمة تلك الأولويات نظرا للرابطة  الموجودة بين التّعليم والتّمكين الاقتصادي وكذا الارتقاء  الفردي والمجتمعي،إلا أنّ تزويج القاصرات يكرّس معضلة  الهدر المدرسي المتعدّدة الأسباب ، لتفرز لنا معطيات الواقع إسناد رعاية الأسرة وتربية النشىء لقاصر لم تنل قدرا كافيا من التعليم يساعدها على حسن أداء دورها التربوي الأساسي في عصر يشهد تدفّق وتشعّب المعارف كما يشهد فقرا أخلاقيا وانفلاتا سلوكيا   
الجدير بالذكر أنّ الدراسات الاجتماعية الأخيرة ربطت بين ارتفاع نسبة الطّلاق في السنوات الخمس الأولى للزواج وبين عدم وجود الوعي الكافي بمفهومه وعدم الإدراك بأن ذاك الميثاق الغليظ  قائم على المشاركة والمسؤولية ،حال يصعب فيه على قاصرــ لم تنضج بعد خبرتها الإنسانية ـــ تقدير مؤسسة الزواج وحمايتها من الهزّات   وتعجّل حدث الطلاّق الذي يعصف بمستقبل قاصر انتهت حياتها الزوجية من قبل أن تبدأ   ... .قاصر لم يسكن عنها ألم تزويج لينقض عليها ألم تطليق يشتد أنينه في حالة الإنجاب ، ليجد حينئذ المجتمع نفسه أمام واقع مفخخ يكرس مسؤولية رعاية أطفال   لقاصرات هنّ محتاجات إلى الرعاية،سيبدأن مشوار السير على الجراح وسيخضن معترك الحياة  وتكاليفها بدون مؤهلات  تعليمية ومهنية تمكّنهن من ولوج سوق العمل لضمان عيش كريم  يقيهن ذلّ السؤال وقهر الزمان ويجنّب مجتمعهنّ العديد من القنابل الموقوتة التي قد تستعّر نارها ولا تخمد من قبيل  ـ تشغيل الأطفال  ــ   الاستغلال الجنسي ،  الهدر المدرسي ــ التسول ــ الدعارة ــ الجريمة إلخ    
إنّ المخاطر  التي تترتّب عن تزويج القاصرات   تجعل منه آفة مرّكبة و متشابكة الأبعاد ، تسائل الدولة والمجتمع   وتدعوهما إلى اعتماد مقاربة مندمجة وشاملة تتناول مختلف الجوانب   القانونية ، الاجتماعية ،الاقتصادية ،التنموية حتى لا يتحول الاستثناء إلى سبيل يسلكه بعض الباحثين عن زواج متعة تصيرفيه حياة القاصر حياة بدون ربيع   ...فقد قتله يأس كان قبله أمل... 
يسلكه بعض الباحثين عن زواج متعة يجعل حياة قاصر حياة بدون ربيع ..فقد أذبله يأس كان قبله أمل...