لُعبةُ الشّهيد
بعيدا عن مشاهد الدّمار والدّماء وأشلاء الأبرياء المُتناثرة هنا وهناك في غزّة الجريحة ،استوقفني وشدّ انتباهي مشهد ذوأهمية بالغة، يختزل الوضع المأساوي المعيش في أرض العزّة والكرامة. .
مشهد صنعته خمسُ زهرات صغيرات من غزّة ــ لم تتجاوز أعمارُهن خمس سنوات ــ ابتكر خيالُهن الجامح المُخضّب بالدّم لعبة الشّهيد التي انتشرت بين أطفال فلسطين،لم تجد الغزّاويات الصّغيرات مكانا آمنا يلعبن فيه لعبة الغُميضة،لم يجرين جريا ولم يغطين أبصارهن عن صور الدماء المسفوكة التي لطّخت الأماكن ولا عن الجثامين الموضوعة التي تنتظر دورها في الدّفن ، بل انطلقن في جانب ضيّق في أحد المستشفيات يبحثن عن المرح والفرح ويلعبن لعبة الشّهيد حاملات في ثوب
أبيض الشهيدة الصّغيرة،تتعالى ضحكاتهن في حضرة دموع تتهاوى على خدود مُبتلّة بدمع القهر .
قد يرى بعضنا في ذاك المشهد الطّفولي مجرّد لعب ولهو أطفال لكن عندما نعرف أهمّية مرحلة الطّفولة المبكّرة ــ خصوصا الخمس السنوات الأولى ــ التي تحدث فيها تغيّرات في النموّ النّفسي ،العاطفي و السُّلوكي ، حينئذ ستتغيّر رؤيتنا للموضوع ،حينما نتذكّر دور اللّعب في بناء شخصية الأطفال وذواتهم وأنّ مداركهم في الصّغر قادرة على استحضار المعاني والحقائق ،عندئذ تتعاظم في أعيننا الرّسائل المشفّرة التي تبعثها لعبة الشّهيد .
صغار اليوم الذين يلعبون لعبة الشّهيد سيكبرون وفي غابة الظّلم ستكبر معهم المعاني والحقائق فمن لعب في طفولته لعبة الشّهيد سيكون جوادا وكريما في ريّ أرضه المُغتصبة بدمه الزّكي وسيكون متلهّفا لإقبار طغاة المحتلّين الصّهاينة كما أُقبِر جدُّهم"شمشون الجبّار " في ثرى غزّة حسب رواية كتابهم المقدّس " العهد القديم "
أولائك الأطفال عندما يكبرون ــ إن كُتب لهم عُمر ــ لن ينسوا لعبتهم ولن يجنحوا للسّلم تبعا لإرادة الاحتلال وشروطه غير العادلة فمعّرة الظلم ستلحق الظالم، لذا قبل أن يُلام أبرياء غزّة يجب أن يلوم المجتمع الدولي نفسه، يلوم صمته المُريب ،ظلمه المُبين وجُبنه المُهين ..........إلى غاية ذاك الحين لا تستهينوا بلعب أطفال غزة ، خذواالحكمة من أفواه صغيرات حينما سألهن مراسل صحفي:
ــ ماذا تفعلون ؟أجبن ببراءة :
ــ عمّ نلعب لعبة الشّهيد... وبضحكات رقراقة ردّدن : الشّهيد حبيب الله