البحث

الشاعرة والاديبة الزهرة الحميمدي | وقفة في المعبر

post-title

وقفة في المعبر

قصة قصيرة بقلم :  الكاتبة المغربية :  الزهرة الحميمدي .

لم يخطر ببالي أني سأعيش لحظات عصيبة أثناء وقفة الانتظار في المعبر...

لم أصدق أنه على بعد أمتار مني ، توجد قطعة مني... من وطني ،  مدينة سبتة الغالية .

لكن ممنوع علي الدخول إليها إلابعد  القيام بإجراءات عديدة...

المعبر ضيق ،  ومن وراءالسياج السلكي الذي يكاد يكون حديدا أو فولاذ  ! هنااااااك ...  يقف  

  يقف في هيبة شيخ وقور ، جبل شامخ  شموخ بلادي... لكن حزنا عميقا باد عليه ! وكأنه يشكو آلام السنين وجراحات الماضي... وكأن قلبه متعب بالمحن ،  وحكايا الوطن وأسرار الزمن ...

وسرح فكري بعيدا...أتخيل شخصيات ربما عبروا من هناك ... أدباء ، علماء كانوا  ، أو متصوفة فضلوا الإنزواء فوق القمة من أجل التعبد أوالتأ مل في بهاء تلك  الأرض الطيبة وروعة جمالها ...

ثم خلتني أسمع صهيل خيول وجياد  عربية أصيلة ،  وعلى صهوتها أ بطال وفرسان أفذاذ مروا من هناك ، حاملين الرسائل والسلاح ...أو من هنا ، عبر هذا المعبر  ، حيث أقف الآن   ، والذي ربما كان ذات يوم حقلا شاسعا ، أو ضيعة خضراء ،  أوبستانا  جميلا لجد من أجدادي...

وسرح فكري أتخيل أسراب الطيور العائدة من الأندلس تتنقل حرة طليقة في الفضاء الرحب الواسع ، من غير تأشيرة و لا جواز السفر...

المعبر ضيق  ... و الوقفة المرهقة طالت ... وإحساسي بالظلم والحيف في حقي  وفي حق وطني يكبر و يزداد ...

ولأول مرة عرفت حقيقة المحنة التي يعيشها الإنسان في أرضه المغتصبة... 

ولأول مرة  عشت الإحساس بالظلم الي يعيشه المواطن  الفلسطيني  ، ومعاناته على أرضه...وشعرت بذلك الإحساس الرهيب، وتلك المرارة التي يتجرعها كل يوم ليجتاز المعابر  ،  ويجبر على الوقوف فيها لساعات طوال ، وهو على بعد أمتارمن أرضه، أ و حقله ،  أو مكان عمله، أوبيته الذي

سرق منه في وضح النهار ،  ولم يبق في يده غيرمفتاح أرهقه  الانتظار، وأعياه الأمل  ليوم تشرق فيه شمس الحق و الحرية ، وينصفه التاريخ  بعدما خذلته وعودالمجتمع الدولي بتحقيق العدالة واسترجاع الأرض...

وعادت ذاكرتي يوم توقفت أبكي مع "صفية" في رواية "عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني...حين وقفت وجها لوجه مع المحتل في قلب بيتها الذي كان لا يزال كل ركن فيه يشهد لها بحقها فيه  ! حتى الوردات الخمس التي وضعتها بالمزهرية منذ عشرين سنة كانت ما تزال هناك ...بل حتى ابنها سرقوه منها وغيروا له الإسم والهوية...

ما أبشع الاحتلال..وما أقبح وجهه المخيف المرعب ..انتابني شعور بالحزن ورغبة في البكاء وأنا

أملأ تلك الاستمارة :اسمي الشخصي والعائلي ،  رقم جواز السفر وعنوان إقامتي، و..و..و..

المعبر ضيق... ومحاط بالأسلاك والحواجز ورجال الأمن ...أكاد أختنق !  و أود لو أصرخ بأعلى صوتي ،  لا ...

!! وأنا أرى نساء  ورجالا 

 يعبرون في صمت تحت حر شمس محرقة ، يلهثون من الحر والتعب  ، يتدافعون وعلى ظهورهم يحملون سلعهم وأشياءهم الثقيلة...

أتراهم يحسون مثلي  بنفس  المرارة التي أتجرعها في هذه اللحظات التي تمر على قلبي أثقل مما يحملون ...؟

 وأكاد أختنق ... 

 وكأن عقارب الساعة توقفت لتشكو لي ثقل الزمن عليها ، ورغبتها في الرجوع الى الوراء... لعل التاريخ يعيد الحق 

 إلى أهله... 

 ووقفت أنتظر... وقد تعبت قدماي  و أرهقني الوقوف . 

والأمر من ذلك ، من ذاك الإنتظار ، هي النظرة المستفزة لذاك  الشرطي الإسباني ،  غير آبه بصرخة الغضب الصامت التي كانت تدوي كالعاصفة في أعماقي !!   هل كان يجب أن ينظر  إلى وجهي ليتأكد من

هويتي   ؟ "أنا" ،   أنا ابنة الدا.....ر !!  وهو "الغريب "  المحتل   لأرضي ؟ 

 تلك التي أراها أمامي  هي  سبتة !!  سبتة السليبة  ! أرضي وجزء لا يتجزأ من وطني الغالي ...