البحث

حقيقة كفالة | حنان قدامة

post-title

هي خلاصة تجارب راكمتها اثناء اشتغالي مع احدى الجمعيات المهتمة بالاستشارة التربوية والأسرة .لا ادعي فيها نجاحا لكني اسجل فيها اعترافا بانني وفقت في ان افتح كوة تسلل منها شعاع امل خفف من حدة الم 

بخطوات تسبق ظلها، ولجت السيدة  فاطمة مكتبي في الجمعية،وبأيد مرتجفة صافحتني، قبل أن تشرع في سرد حكاية صغيرتها ريحانة

ادت أم ريحانة بذاكرتها إلى الوراء ،قلبت صفحات تسع  سنوات خلت ، حيث يتصدر الصفحة الأولى مشهد لقائها بوليدة جميلة، لم تكمل بعد شهرها الأول،  ومع ذلك استطاعت أن تملأ عين محدثتي ببريق الحب،  وأن تملك شغاف  قلبها، وقلب زوجها وابنها البالغ من العمر سبع سنوات.

تم اللقاء في أحد  مراكز الأطفال المهملين، تكررت الزيارات واللقاءات، ‘سمعت فيها نبضات قلب السيدة فاطمة وهي تخفق بحب ملاكها البريئ،  الذي قررت الأسرة برغبة عارمة كفالته باتفاق مع الأم .  

  عبير ريحانة فاح في جميع أرجاء المنزل، وشذى حبها تنسمه جميع أفراد العائلة
لم ‘تخبر ريحانة بالحقيقة ،واكتفت  أمها الحقيقية بزيارة الأسرة المتكفلة بفلذة كبدها بين الفينة والأخرى،  في خلسة من ضناها كانت تسرق منها نظرات أمومة موءودة ‘تتبع  بعبرات ومدامع مكبوتة

تمر الأيام والسنوات وتكبر ريحانة،و يكبر معها توجس الأسرة وترقبها ، يمرض قلب السيدة فاطمة، يخاف فؤادها من غد هو   آت لا محالة،  ويضيق صدرها بما سيقال في يوم موعده ليس  ببعيد

بعد تردد كبير، قررت الأسرة إخبار الطفلة بالحقيقة ولا سيما وهي على وشك  الدخول في مرحلة المراهقة.  لم  تقوالأسرة على مصارحة ريحانتها  بالحقيقة ، فتمت استشارتي وتكليفي بالأمر الصعب

بعد أن سكت الهلع عن السيدة   فاطمة، نبهتها إلى تأخرها في إخبار ابنتها بموضوع الكفالة،  فالسن المناسب عند جميع الخبراء النفسيين هو دون سن الثامنة،  وإن كان هناك من يفضل الأربع سنوات الأولى حيث لا يستوعب الأطفال كثيرا معنى الفقد والموت . 

من جانب آخر هنأت كثيرا   السيدة فاطمة على دوام صلتها بأم الطفلة وعلى    مسعاها إلى  إخبار ريحانة بالحقيقة بنفسها، وعدم ترك المجال لمعرفتها من الخارج.   فكم هو مؤلم أن يتجرع الطفل البريء علقم الحقيقة من أفواه غير ملهجة بحبه.   حينئذ لا قدر الله ممكن أن يوجه عدوانه إلى أحد أطراف قضيته :الأبوين البيولوجيين أو الأبوين الكافلين. زيادة على فقده الثقة مستقبلا  في جميع من حوله

قبل أن ألتقي  الطفلة، أوصيت السيدة فاطمة بأ ن تربط الاتصال بأم ريحانة الحقيقية من أجل زيارة ابنتها، لا بأس ان تقدم لها  هدية بسيطة بغية حصول تقارب عاطفي بينهما ، استوضحت أيضا السيدة فاطمة عن الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأسرة من أجل ضمان الأجواء  الصحية للبوح بحقيقة الكفالة،بعد أن تأكدت من سلا متها، بدأت أهيئ نفسي لملاقاة ريحانة

ودعت أمها السيدة فاطمة ،  كانت أضلاعها تتمزق   خوفا من رد فعل ريحانتها ، هدأت من روعها،أخبرتها أن رصيد الحب الذي جادت به الأسرة على ريحانة هو مغروس ومتجذر في  حنايا صدرها،  وأن  سحب  رصيد الحب الكبير   قد آن،وأن   جنا جنيه  قد دان ، لم أنس أن أذكرها  بأن قلب ريحانتها التي تخاف تقلبه هو بيد خالقها الذي ترجورحمته

المعالجة

في جلستي الأولى مع ريحانة، لم يكن هدفي إطلاعها على الحقيقة ، ما كان يهمني في البداية هو إعدادها نفسيا لتقبل الحقيقة والتعايش والتصالح معها

انطلقت في ذلك من الحقيقة العلمية المسلمة بالعلاقة التفاعلية بين الأفكار والسلوكيات،  فكل تغيير للسلوك لا بد أن يسبقه تغيير للأفكار

التغيير الأول  الذي كنت أنشده في فكر ريحانة الصغيرة هو الفخر والاعتزاز بالأم المربية، والصفح والتسامح مع الأم الحقيقية،حتى أجنب الطفلة السقوط في هاوية الكره والمقت . لبلوغ هذا المراد  استدرجت ريحانة  إلى الحديث عن      هواياتها، عن أصدقائها، استوقفني أمر حبها وتعلقها الشديدين بابن جارتهم  الرضيع: آدم

التقطت بسرعة الخيط الرفيع : حب آدم ونسجت منه قصة متخيلة حزينة ،   نهلت فيها من نبع الأديب المنفلوطي  وأطلقت متعمدة  على بطلها الصغير اسم معشوق ريحانة  آدم

 القصة المتخيلة حرصت على أن يتجاذبها قانون المتعة والألم. رويت لمحاورتي الصغيرة قصة:آدم  حيث هزمت نوائب الزمن ورزياه أمه الفقيرة، عجزت عن رعايته وكفالته خافت عليه مر الجوع والضنك، لتذعن في الأخير لعرض سيدة كريمة ثرية راغبة في كفالة آدم

وأنا أروي القصة المختلقة لا حظت تفاعل ريحانة مع سياق   الحكاية  وتعاطفها مع أم آدم

استثمرت تعاطف ريحانة في حسن توظيف قانون المتعة والألم، إذ اجتهدت في أن أجعل ريحانة تتخيل واقع آدم مع أمه الحقيقية والمربية وتعمدت أن يمر قطار التخيل بجميع محطات العمر،  محطات الحرمان ومحطات الحنان : الفقر والغنى / البرد والدفئ / الجوع والشبع/ التشرد والتمدرس /   المرض والعلاج /الألم والأمل  
مع تخيل الواقعين، كان وجه ريحانة يرسم تعبيرات متباينة يتداخل فيها الوجوم والانشراح . أمر كنت أتوقع حدوثه وجنيت ثمرته الأولى بهتاف الاستحسان والإعجاب الصادر عن ريحانة بدور الأم المربية التي  أنقذت آدم من مستقبل بائس،  وبدمعة التعاطف مع الأم الحقيقية التي كلفها الفقر مفارقة  مهجة فؤادها 

قصةآدم نجحت في أن تحدث تغييرا جزئيا في أفكار ريحانة ومداركها ، عساه يخفف عنها وجع   حقيقة  مرتقب في الجلسة المقبلة

ودعت الصغيرة ريحانة لأتركها ترمي في أحضان أم   دقات قلبها تنتفض.... هناك.... في قاعة الا نتظار

انصرفت ريحانة و أنا لا زلت منتشية بطلتها  الجميلة التي أشاعت جوا من  المرح سألت الله  رعايته