البحث

بين المطرقة والسندان - حنان قدامة

post-title

 

هي خلاصة تجارب راكمتها اثناء اشتغالي مع احدى الجمعيات المهتمة بالاستشارة التربوية والأسرية .لا ادعي فيها نجاحا لكني اسجل فيها اعترافا بانني وفقت في ان افتح كوة تسلل منها شعاع امل خفف من حدة الم 

 

 مصحوبا بأبويه؛ استقبلت بالجمعية " سعيد  " فتى لم يتجاوز بعد ربيعه الثالث عشر. لفت انتباهي للوهلة الأولى انحناء قامة ضيفي الصغير؛ انكماشه وارتباكه الذي كان يداريه بتربيع يديه تارة؛ والضغط عليهما تارة أخرى.
في بادئ الأمر اختليت بوالدي سعيد؛ اللذين اختزلا مشكلة ابنهما البكر  في تعثره الدراسي المفاجئ على الرغم من ذكائه المتقد ودروس الدعم التي لم تبخل بها عليه أسرته.
استأذنت الأبوين في العودة إلى الوراء قليلا؛ إلى طفولة سعيد من اجل المضي إلى الأمام؛ لتبدأ فصول حكاية ينساب منها الوجع والجزع بسبب قسوة والد مدمن على الخمر؛ كثيرا ما كان يستعرض العنف في حق زوجته عندما يطفح السكر ؛ فيسمعها جارح الكلام وساقطه؛  قبل أن ينهال عليها ضربا على مرأى ومسمع من سعيد وأخته الصغرى .
كثيرا ما كانت يد الجلاد تمتد إلى الطفل الموجوع ؛حينما كان يحاول بجسده  النحيل فداء أمه التى لم تكن لتنسى معروف صغيرها؛ فازدادت حبا له ؛ تعلقا به وأغدقت عليه من  فيض الحنان  .

المد والجزر  في علاقة الوالدين استمر طويلا؛ قبل ان يعانق الوالد الرشد.. وبعد أن فارق الأمان الولد؛ الذي بدا يجنى  غرس أبيه إد ظهرت عليه  حسب شهادة الأم ....

بعض الأعراض المقلقة  ؛ تلعثم؛ خجل؛  خوف؛ تردد  ناهيك عن تراجع مستواه الدراسي .
بعضا من هاته الأعراض لاحظتها  حين انفردت بالفتى؛ كان يقضم أظافره ويهرب من النظر إلي بإطراق بصره إلى الأرض.
استدرجت سعيد إلى الحديث عن هواياته. بكل انتشاء  اخبرني عن عشقه للرسم   عن سعادته وهو يلاعب ريشته.
في لحظة تحول الانتشاء إلى انكسار؛ لما انتقل بنا الحديث إلى تعثره الدراسي  الذي علله سعيد بالخوف الذي يسكنه من الفشل ؛ من عقاب أبيه؛ لومه و تقريعه  فهو لا يرضى للتميز بديلا . 
خوف سعيد من والده جعل منه فتى مهزوز الشخصية؛ فاقد الثقة في النفس؛ إمعة ينقاد للأخر ويسعى لإرضائه.
.في المدرسة كان سعيد يحرص على الجلوس في المقاعد الخلفية لكي لا تقع عليه عيون مدرسيه؛ يتهرب من الإجابة داخل الفصل حتى لا  يكشف الارتباك والخوف تلعثمه.
اللافت؛ أن وجل وروع مشيري من واقعه كان يتلاشى عند استغراقه في أحلام اليقظة؛ والتواصل عبر شبكة الأ نترنيت .
انتهى حديثي مع سعيد عند هدا الحد؛ ازددت فيه يقينا ان العنف والقسوة يسلبان الطفل أهم احتياجاته وهي الأمان النفسي؛ أمان إدا ما فقد في الأسر حتما لن يسمع الإباء شدو أبنائهم ؛ فالطائر لا يغرد خارج سربه الآمن  .

 

معالجة الحالة.
حالة "سعيد" لم تكن الأولى التي عرضت علي،و أظن أنها
 لن تكون الأخيرة لأننا مع كامل الأسف نعنى بالفطام الجسدي للطفل ولا نهتم بفطامه النفسي؛المرحلة العمرية التي يكتسب فيها الإنسان سمات هويته الخاصة ومعالم شخصيته المستقلة.
ظاهر الأمر أن شخصية سعيد تقاذفتها قسوة اب.. وتعلق أم.أمران لا يجديان نفعا في بناء شخصية متوازنة واثقة من نفسها؛ وهدا ما يفتقده سعيد ويفرض عليه انسحابا اجتماعيا ؛ظل يخفف وطأته باستغراقه في أحلام اليقظة وإدمانه على مواقع التواصل الاجتماعي.
بادرت  من اجل مساعدة سعيد إلى الوالدين؛ المقرين بأخطائهما التربوية؛ أرشدتهما إلى ضرورة تغيير طريقة تعاملهما معه والتي تبدأ بحسن ضبط مشاعرهما نحوه؛فلا القسوة نافعة ولا التدليل الزائد مجد  .. ولا طلب الكمال مشروع ومستطاع.
طلبت منهما تجميل لغة حوارهما مع ابنهما؛ مع تكليفه بمسؤوليات في المنزل وخارجه حتى يقبل ذاته ويقدرها.
بالنسبة لسعيد فقد ركزت في الجلسة الأولى على اقتلاع جذور مشكلته المتمثلة في خوفه من الفشل بصفة عامة.حاولت إقناعه
بجدوى اقتحام ما يخافه ومواجهته لأننا عندما نفعل ما نخافه يتلاشى تدريجيا الخوف ؛وحينما نخشى أن نتألم نتالم  مما نخشى.
 طبيعي جدا أن نفشل  فالفشل هو أساس النجاح هو مدرسة للتعلم والوحيد الذي لم يدق طعمه هوداك الذي يعيش بلا هدف  .
بما أن الإحساس ينشأ بالتفكير ، اعتنيت بتغيير أفكار" سعيد" و تصوراته عن ذاته حتى ينتصر على اهتزاز ثقته بنفسه التي تكتسب عبر عدة تدريبات و خطوات شرعت في تطبيق بعضها .
كلفت الفتى بكتابة ايجابياته و سلبياته بغية استكشاف و التركيز على مواطن قوته فيستثمرها؛ ومواطن ضعفه فيشتغل على تحديها .
أسعفتني قصة " النسر الدجاجة " في أن أهز نفس " سعيد " و أجعله يراجع معتقداته عن داته لتجاوز إحساسه بالدونية و الصغار، . ، وجهته إلى تحديد هدف شخصي و العمل  على إنجازه ، لأن النجاح في تحقيق الأهداف و لو كانت صغيرة 
 يزود منجزها بشحنة و طاقة ايجابية تعزز الثقة بالنفس .
في انتظار لقاءي بسعيد في الجلسة المقبلة ، أشرت عليه بمجموعة من التكليفات منها : التأمل...الاسترخاء وتخيل مواجهته للمواقف التي يهابها خصوصا في الفصل الدراسي من أجل هزم الخوف، لان العقل الباطن لا يفرق بين الخيال و الواقع. 
أشرت عليه بتمرين الربط الذهني لكي يتذكر نجاحاته التي صنعها هو ولم يصنعها غيره .
لم أغفل عن لفت انتباه سعيد إلى ضرورة ممارسة الرياضة ، مشاهدة برامج تحفيزية و الانخراط في الأنشطة الفنية المدرسية لتفجير موهبته في الرسم  .
ودعت " سعيد " وكلي أمل في أن يطوق ثقته بنفسه، يقهر خوفه و تردده حتى يتجنب السقوط في هاوية الضياع ، فغالبا من يتردد بين مقعدين يسقط أرضا .