البحث

أملٌ شارد | حنان قدامة

post-title

 

أملٌ شارد.                
بخطوات مُتثاقلة ومُحطّمة ،صعدت إلى حافلة النّقل المدرسي، ألقت جسدها الغض على المقعد وشرعت تُسرّحُ عينيها الدّامعتين في جُدران مدرستها، عساها تُشبعُ نظرها منها ،فغدا ستُحجبُ عنها رؤيتُها ، غدا لن تركب الحافلة المدرسية  فهي موعودة بعد شهرين بركوب  قطار زواج  استعجل الانقضاض على طفولتها البريئة.                
كانت" زهرة "تعيش في كنف أسرة ألفت شظف العيش ، يعولُها أبٌ أذلّتهُ تكاليفُ الحياة وقهرته آلامُ مرض لم ينفع معه علاج ، سكن حبُّ الوالد شغاف" زهرة" تضاعف هذا الحبُّ بعد أن أذن لها بمتابعة  دراستها الإعدادية في المدينة المُجاورة لقريتها ،ومُطاردة أملها في إكمال دراستها .
بات حُلمُ إكمال الدّراسة صرحا في خيال" زهرة" هوى بعد أن تقدّم لخطبتها أحدُ وُجهاء وكُبراء البلدة ،استسلمت لضغوط عائلتها ولم تقو على مقاومة بريق الفرحة في عيون والديها وإخوتها الصّغار الذين أضناهم قهرُ الزّمان.
أقبل الموعدُ وزّفت العروسُ إلى عريسها الذي أذبل خريفُ عمره زهرة ربيعها السادس عشر. كانت" زهرة "عروسا شاردة، تائهة عما يدور حولها  كل ما أبصرتهُ في عرسها  فرحة أبيها  فهي وحدها التي قدمت لها واجب العزاء.
أصرّت "زهرة "على أن تكون محفظتُها ووزرتُها ضمن حاجياتها  المحمولة في موكب الزفاف ،هي ذكراها الجميلة من  ماض رأف بها قبل أن تعصف بها أيامه الحالكة .
بصُعوبة بالغة استطاعت" زهرة" التكيّف مع دورها الجديد ،دنا منها الصبر ،دنت منه و لم تجد بُدا من الارتماء على حافته ، ساعدها على ذلك زوج  لم تنكر عليه خلقا.
في غياب زوجها عن المنزل كانت "زهرة" تلوذ بشُرفة غرفتها المُطّلة على ساحة القرية، تطل منها على أملها الشارد ، تتربّصُ بحافلات النّقل المدرسي وهي تنقل صُويحبات الأمس القريب ، تراهن يحملن محافظهن، يتمايلن وهن يتبادلن الضحكات التي تأذن لدُموعها الواكفة أن تُبلّل وجنتيها ولرُوحها المُنكسرة أن تذُوب من الحنين ...و.لا ينتزعها من أنين الحنين إلا صوت زوجها ُيناديها .                                              
بعد سنتين من الزواج رُزقت "زهرة "بطفلتها البكر "أحلام" نسخت "زهرة "حُلمها بإكمال دراستها بحرصها على تمكين صغيرتها من ذلك، اشترت لها محفظة وهي ما زالت تحبو كأنّها تستعجل كبرها علّه يسكت حسرة تئن في الأعماق .
حينما كانت "زهرة "تُهدهدٌ وليدتها من أجل أن  تنام ،تغفل عن كل تهويدات الرضّع الشّعبية ولا يردد لسانها إلا ما يهواه فؤادها... كانت تردد نشيد:                    
مدرستي الحُلوة     فيها جنّتي فيها تربينا        .
ظلّت " زهرة " دوما تتماهى مع الكلمات وكأنها تبعث مع النسيم سلاما واشتياقا إلى مدرستها                  .
 كانت فرحة" زهرة "عظيمة يوم التحقت ابنتُها بمدرسة القرية ،ليلتها  جفاها الكرى، ظلت تترقّبُ بزوغ الشّمس أيقظت صغيرتها  على أنغام "مدرستي  الحلوة" سرّحت شعرها، ألبستها وزرتها وهي تدندن بها  .بعد أن ودّعت طفلتها  عادت بسرعة تلوذ  بشُرفتها كما اعتادت  مع اختلاف كبير،  ففيما مضى كانت تُطاردُ أملا شاردا لكنّها اليوم تتربّصُ وترنُو إلى أمل مُهتد .

 

سحابة كلمات: