“أحب حبيبك هونا ما ،عسى ان يكون بغيضك يوما ما
وابغض بغيضك هونا ما ،عسى ان يكون حبيبك يوما ما ”
جوامع كلم مختلف في نسبتها متفق على حكمتها ،فلطالما كان الاعتدال أمرا مطلوبا و مساعدا على تحقيق التوازن النفسي . بتغييبه تحضر سلوكات منحرفة ومشاعر حاكمة -نصلها اكثر حدة من السكين – منها :
الجفاف العاطفي و التعلق المرضي ،هذا الاخير الذي مهد لانتشار ظاهرة “الآباء الهليكوبتر” .
“الآباء الهليكوبتر” ليست تسمية تهكمية ، لكنها في الواقع مصطلح علمي تداوله علماء النفس منذ سبعينات القرن الماضي ، يقصد به الآباء الحوامون الذين يفرضون على أولادهم طوقا من الحماية المفرطة و الرقابة الشديدة، يحلقون فوق رؤوسهم كطائرة الهليكوبتر الحامية و المطاردة لأهدافها .
ظاهرة الآباء الطوافين تجد مرتعا لها في اسرة الطفل الوحيد او الفاقد لاحد ابويه وايضا في الأسرة الممتدة حيث يرتع التدليل الزائد و الحنان المفرط. الهوس بحماية الأولاد من كل أذى يدفع الآباء الطوافين إلى عدم ترك اي شيء للصدفة ،عدم منح مساحة شخصية مستقلة لهم لرؤية ذواتهم والتفاعل معها ، وبالتالي لا يسمح لهم بالتجربة و الخطأ اللتين تغنيان رصيد الإنسان من دروس الحياة ،فيتم حرمانهم من متعة التجربة أصل كل الاكتشافات ، وليس هناك أجل و أسمى من اكتشاف النفس الإنسانية التي أقسم بها خالقها في قسم سباعي ( سورة الشمس ).
بدافع الحب يخوض الآباء الهليكوبتر معارك الحياة بدلا عن الأبناء ، ابتداء بإنجاز الواجبات المدرسية ، مرورا بالرد عن الأسئلة الموجهة للأبناء
،تعريجا على التدخل المتكرر لحل مشاكلهم مع اقرانهم .
لا يدري الآباء انهم يقتلون بالخطأ شخصية أولادهم، يدمرون هويتهم النفسية ويحرمونهم من الوعي بذواتهم ، فقد تم سلب إرادتهم و استقلالهم وتمت برمجتهم تبعا لهوى الآباء الذين يرسمون بريشتهم هم وبألوانهم هم حاضر الابناء و مستقبلهم.
أكيد لن نجني شهدا من حنظل، الحماية المفرطة تفقد الأبناء مهارة التواصل
والتكيف الاجتماعي مع الغير لعدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم .
ممر قد يعبر منه طيف التنمر والرهاب الاجتماعي لافتقادهم الصلابة النفسية التي تسمح لهم بالدفاع عن حقوقهم في مواقف الحياة . حياة لم يروا منها الا مظهرها الآمن لتواجد وتكتل خط الدفاع الأبوي أمامهم بشكل دائم.
حري بالحب الأبوي والمعاملة الوالدية ان تتسم بالحكمة و الاعتدال ، حب دون كلف ، دون تعلق مرضي بالأبناء ، صحيح هم أبناؤنا ولكنهم أيضا كما يقول جبران خليل جبران : ” أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها” فبدلا ان نحلق فوق رؤوسهم كطائرة الهليكوبتر ما رأيكم لو نركبها سويا ونحلق بها في أجواء التربية الرشيدة ؟
من هناك نسال الله قرة عين لا تنقطع.