البحث

في بيتنا عناكب - حنان قدامة

post-title

لم أبتغ من تصدير مقالي بهذا العنوان أن أعصف بذهن قارئه لكني ارتأيت فقط لفت انتباهه إلى بعض الانحرافات السلوكية التي بدأت تتربص بالأسرة العربية اللبنة الأولى في أي نسق اجتماعي .

بيت العنكبوت الذي يؤثث في خلسة منا زوايا مساكننا يعد من أوهن البيوت، واللافت أن بواعث وهنه سلوكيات ظاهرها السكينة وباطنها العدوانية، أضحت تلمس في جنبات الأسرة وغدت تهدد أنسنة علاقاتها وتختلس منها تماسكها و سعادتها.

صحيح لا قياس مع وجود الفارق لكن من يجرؤ على إنكار كثافة الدروس الملهمة التي تعلمها الإنسان من عوالم الحيوان والطير والهوام..

الملاحظ أن العناكب تعيش بشكل منفرد، غير منظم وتبني بيوتها من مجموعة من الخيوط الحريرية المتشابكة، بينها مسافات بعيدة، مشهد يرمز ويختزل في عمقه التباعد الجلي اليوم بين مكونات معظم الأسر التي توارى فيها التقارب والتلاحم ولاح في جنباتها الخرس الزوجي والوالدي والتواصل غير الشفيق نتيجة الانشغال بتكاليف الحياة وسطوة وسائل التواصل و الإعلام التي بقدر ما قربت البعيد بعدت القريب . اذكي هذا الأمر الجنوح نحو النزعة الفردية التي أنتجت اعوجاجات سلوكية كالانزواء على الذات و عدم التفاعل مع الآخر والانفتاح عليه حتى ولو كان هذا الآخر أبا، أختا وأخا..

غلبة النزعة الفردية في عالم العناكب يترتب عنها ميولها نحو العدوانية والتنمر، فالأب(العنكب ) يقتل من طرف أبناءه بعد خروجهم من البيض وقد يفتكون بأمهم بعد اشتداد عودهم. سيقرف بعضنا لهذا المنحدر السلوكي العنكبوتي غير أن القتل المعنوي الذي تشحذ سكاكينه في بعض العلاقات الأسرية أشد فظاعة لتباين المنزلة بين ( الجناة )إنسان/عنكبوت..

من صور ذلك اغتصاب المحارم عقوق الآباء والأبناء والحب المشروط.

لا لغة سائدة في أغلب بيوت العناكب غير لغة المصلحة الفردية وتأسيسها قائم ليس بهدف التكاثر والاستقرار بل من أجل اصطياد الفرائس. هي إذن مذبح و مسلخ للمودة والرحمة وليست مرتعا لهما.

من الشواهد على ذلك قتل (الرتيلاء ) لزوجها مباشرة بعد عملية التزاوج، الأمر الذي يجبر الزوج على الفرار وهجران بيت الزوجية . مشهد له نظير في بعض الأسر المشيدة على شفا جرف هار، انهارت قواعده بين مطرقة التسلط وسندان الرخاوة.

ما أوردته في هذا المقال هو غيض من فيض دروس الحياة التي يعلمنا إياها عالم العناكب الذي يعري لنا واقعا صادما ومريرا... مرارته تستطيبها مكانسنا التي تنقض على خيوط عناكب بيوتنا ،لكن لا ولن تستطيبها نفوسنا المثخنة بجروح غائرة ،أكيد لن تلتئم برشة ملح. .