في ربيع سنة 2010 دوّت صرخة "الغالي" بمدينة
"مراكش"،طفل مفعم بالنشاط والحيوية على الرّغم من الحزن والشّجن اللذين يطلّان من عينيه .
يعيش الغالي في كنف أبويه وشقيقه الذي يصغره بسنتين.
.قبل أن أستمع لضيفي الصغير خلصت نجيّا بوالديه استنتجت من حديثي معهما فتور العلاقة الزوجية بينهما، علاقة تحضر فيها الشّحناء وتغيب عنها المودة والسكينة
استشعرت من جانب آخر تبخسيهما الواضح لشأن "الغالي"
مقابل تقديرهما اللافت ومدحهما البالغ لأخيه الأصغر
.لم يختلف الأبوان في تحديد مشكلتهما المتمثلة في شغب "الغالي "، تمرده، وعدوانيته اتجاه شقيقه وأقرانه.
بعد انصراف الوالدين ، انفردت ب "الغالي"، تحدثت
معه ،سمعت أنينه وانكساره ،بثّ لي شكواه من سوء تعامل أبويه معه، فهما دائما يقارنان ــ مقارنة ظالمة ــ بينه وبين أخيه سلوكيا ودراسيا ، هما كثيرا اللّوم والتوبيخ له على عكس شقيقه الذي يشبعانه إطراء وتقديرا . واقع جعل "الغالي"ــ رغما عنه ـــ يغار من أخيه ويحس بالدّونية أمامه الأمر الذي نتج عنه سلوك التّنمر والعدوانية اتجاهه . . . . ظل" الغالي "ـــ دوما ـــ .يرجو ويهفو إلى تقدير والديه وحبّهما غير المشروط ، الذي لم يكن يتنفّس أريجه إلا عند إتيانه بسلوك قويم أوحصوله على تقدير جيّد في فصله الدراسي .
ظلّ الصبيّ متعطّشا لحنان واحتواء والديه غير أن ظمأه لم‘يرو، وأضحى يتسوّل أحضان وقلوب أبوين أغلقا باب الإنصات والتواصل الشفيق في وجه فرحتهما الأولى ــ الغالي ــ الذي لم تلمس نفسه تغلية أحد من أفراد أسرته. . المعالجة .
قاعدة "لا شيء يأتي من لا شيء " كانت منطلق معالجتي لحالة" الغالي"، فعدوانيته اتجاه أخيه وأقرانه لم يفطره الله عليها وإنما اكتسبها من الأسرة ،الرحم الاجتماعي للطفل والمراهق .
لم يخامر ني أدنى شك في حبّ الوالدين لابنهما،لكن آلمني أن هذا الحب لم يلمع بريقه في عيني "الغالي" الحزينتين لأنه حب مشروط بالإنجاز: سلوك سويّ أو تقدير جيّد في الفصل الدراسي ،فهو حبّ لم يتقن الوالدان التّعبير عنه والبوح به، ليقعا في فخ مقارنة غير عادلة بين شقيقين مختلفين من حيث الفروق الفردية التي لا تخضع لإرادة الإنسان والتي يترتّب عن عدم مراعاتها واحترامها تدنّي التّقدير الذّاتي للطفل والمراهق . .
أغلبنا مع الأسف لا يدرك أن المراهق يعشق من يمدحه ويظهر له الوفاء ،يجافي من ينتقده وقد يظهر له العداء، عداءا مضمرا وغير مكشوف تبرز ملا محه في سلوك العناد التمرد والعدوانية .
من هذا المنطلق نبهت الوالدين إلى أن المقارنة غالبا لا تستنهض همّة المقارن بل كثيرا ما تكون جسرا يؤدي إلى الإحساس بالدونية وازدراء الذات . .
لإخراج "الغالي "من دائرة تبعات المقارنة رجوت الوالدين بضرورة تغيير تعاملهما مع ابنهما البكر ولم أتردد لحظة في رسم معالم هذا التغيير.
أرشدتهما إلى ضمان الهواء النّفسي العاطفي لولدهما الذي لن يستنشق نسماته دون استحضار الحب الغير المشروط . حبّ الأبناء لذواتهم وليس لمعدّلهم الدّراسي ..صحيح قد نكره سلوكياتهم لكن ما ينبغي على الآباء ولا يحق لهم تبخيس قدراتهم وتعمد التقليل من شأنهم .
طلبت من الأبوين مراعاة الفروق الفردية " الطبيعية"بين الأخوين واستغلال نقطة قوة "الغالي"وتعزيزها حتى يرتفع منسوب تقديره الذاتي،ومما يساعد على ذلك الاحتضان الايجابي فبدل التقريع والمقارنة نتحدث معه بلغة إيجابية لأن الكلمة الطيبة نشم عطرها بعد أن نسمع حرفها، وبدل أن نصطاد أخطائه نصطاد سلوكا ته وإنجازاته الإيجابية، نمدحها ونحتفل بهاــ ولو كانت بسيطة ــ فكل الجبال من الحصى ومعظم النار من مستصغر الشرر . في ختام جلستي الأولى مع "الغالي " لم يفتني لم يفتني أن أنبه أبويه إلى خطورة المقارنة بين ولديهما فكثيرا ما تكون المقارنة وقود مجموعة من السلوكيات والمشاعر السلبية سواء من جانب المقارن أوالمقارن به {العدوانية ،الغيرة ،التنمر والأنانية } . كانت هذه .كانت هذه بداية ملامح مرحلة جديدة في التعامل مع "الغالي"بداية سيزرع بذرتها الوالدان بعد أن يتحررا من شرنقة المقارنة وسيحصدها إن شاء الله "الغالي" بعد أن يغمره تقدير والديه وحبّهما غير المشروط.
خطيئة المقارنة | حنان قدامة
