البحث

في رحاب...(لا) - حنان قدامة

post-title

من الأبيات  الخالدة في ذاكرة الشعر العربي بيت الفرزدق في مدح علي بن الحسين  

ما قال لاقط الا في تشهده 

لولا التشهد كانت لاءه نعم

مع كامل الاعتذار للشاعر الفخر ، فإنني في هاته الاشراقة سانزع البهاء المطلق عن كلمة ( نعم) فكل عملة لها وجهان ، لنعم محاسنها ولا لمراحمها

لفظة (لا) لها جانب مضيء  يغفل عنه بعض الآباء  المتوجسين من شذو رضعهم بها. يحسبونها  أولى امارات التمرد وهي من ذلك براء .

هي أكثر الكلمات التي يرددها الطفل ( من سنتين إلى ثلاث سنوات ) . ترمز إلى حق الرفض الذي يعتبر حسب المختصين أحد الحقوق النفسية التي يجب على الآباء     تعليمها لأطفالهم وتدريبهم على استخدامها السليم في المواقف المناسبة .

من مراحم ( لا) بوحها باحتياج الطفل إلى القبول و الاهتمام ، إذ تكون في بعض الأحيان شركا ذكيا من أجل استدراج الآباء  إلى مزيد من التفاعل و الإنصات  لهم بدل الاستماع إليهم  .

بدل احتفاء الآباء ب( لا) التي يصدح بها أطفالهم ، يعمد البعض منهم إلى مصادرتها مع ان تكرارها يعد من خصائص  مرحلة ( لا) وهي المرحلة العمرية المفصلية  المرتبطة  بصلابة  بناء الطفل النفسي .

في هاته المرحلة يتشكل ظهور الذات لدى الطفل ، يتحول من كائن  معتمد على أمه إلى كائن  اجتماعي مستقل يرغب في تأكيد ذاته  عبر ممارسة حق الرفض الذي يساهم في صناعة طفولة ممارسة  لقيم الحرية والاختيار ...اكيد بتعامل إيجابي  من الآباء  اكتسى  ثوب الرشاد .

ان التدرب على قول ( لا) يحمي الأطفال من التأثير  السلبي  للآخرين  و الذوبان في رغباتهم ...يحميهم من ازدراء الذات و عدم تقديرها كما يمنحهم صلابة في عدم الانكسار أمام  غواية صديق او رفيق . فكم من  ( نعم) ساذجة مكنت ذئابا  بشرية في مرعى بلا راع من اغتصاب براءة الطفولة ..،من إخراس  ضحكة صغار غيبهم  التراب عن ناظر آبائهم قبل أن يزفوا لهم الاعياد .

لكلمة (لا ) قوة ناعمة وسحر آسر...فشهادة التوحيد التي نستقبل ونستدبر بها الحياة مستهلة ب (لا ) . 

 ( لا )  كانت معول الأنبياء،  والمصلحين والمفكرين في هدم أنفاق  سحيقة من الخرافة ، الشرك والقهر .

 ( لا) كانت وما زالت وقود جميع الثورات الإنسانية.

جدير بالآباء  إذا اعادة النظر في التعامل مع لاء  صغارهم  حتى يكتسبوا الثقة بالنفس ولا ينضموا   في المستقبل إلى قطيع الخائفين  ، فمن يرجو سواء طفله النفسي على أساس غير سليم سرعان ما سينخسف به لأن الرجاء لا يبنى على شفير متهاو .

 

سحابة كلمات: