البحث

عندما يخرس العشق بنصل السكّين | حنان قدامة

post-title

عفا الله عن ليلى وإن سفكت دمي
فإني  وإن لم تحزني غير عاتب 
يقولون تب عن ذكر ليلى وحبّها 
وما خلدي عن حبّ ليلى بتائب  
هي أبيات من أشهرما قيل في العفو، من أطيب الورد الذي فاح من مزهرية العشق ، عشق خالد لا تزال خفقاته تسمع في جبل العاشقين "قرب مدينة جدة "،حيث شهد سردية من أعظم سرديات الحبّ في التراث العربي والعالمي :حبّ قيس بن الملوح لليلى العامرية.                                    
مثل سردية قيس وليلى كثير في الثقافة العالمية ،في بعضها كان الأمل فرحا فقدّر اجتماع الأحبّة ، في بعضها الآخر أتى اليأس دونه فحكم القدر بالبعاد، ليشب الحريق في قلب العاشق ويرضى بالقتل في هوى من يعشق، في سفك دمه فداء  للمحبوب  في مشهد غريب عما شهده المجتمع العربي في السنوات والشهور الأخيرة حيث عمد العاشق المنهزم في عشقه إلى شحذ سكّينه وغرسها في قلب لم ينل وصاله ووداده ،لتسائل الدماء الأنثوية المسفوحة المجتمع العربي  
ماالذي حدث وما الذي تغيّر... هل تغيّر مفهوم قيمة الحبّ أم تغيّرت قيم المحبّين في زمن الحداثة السائلة  .  
صحيح تغيّرت تجلّيات الحب وتعبيراته لكنه يظلّ تلك العاطفة التي تخفق لها القلوب في جميع الثقافات ،من شرفتها نطل على جمالية الحياة، فيها يتجدد لقاء الإنسان بإنسانيته.
إن العنصر الأساسي المتغير هو المحبّ والعاشق المتأثّر بالتغيّرات الطّارئة في عالمنا المعاصر، الذي يعرف  مدا استهلا كيا وتوجّها ماديا تغذّيهما نزعة تملّكيه جارفة.
إن التملّك الإيجابي للأشياء أمر غريزي في الإنسان، يزرع في النّفس الإنسانية بذرة الطّموح وتحقيق النجاحات، لكن حينما تتحوّل الرّغبة في  التملّك إلى المبالغة في التّطلب وعدم الاكتفاء عندئذ يصبح مؤشّرا على اضطرابات سلوكية ومرضية .لذا فالسّماح للطّفل بالتعدّي على ممتلكات الأطفال  الآخرين وعدم تدريبه على الاكتفاء بما عنده يعدّ من الأخطاء التّربوية التي لا يلتفت لها الكثير من الآباء .وليت الأمر يقف عند امتلاك الأشياء بل يتعدّاه إلى الرّغبة في امتلاك الأشخاص وتذويب هويتهم خصوصا في العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة حيث يبرز التملّك المرضي والنّرجسية المتطرّفة في الحبّ .                          
لاشكّ أنّ عاطفة الحبّ الصّحية هي تلك العاطفة القائمة على المشاركة ،التبادل و الاحترام.  ومن المعلوم أن النّرجسية المفرطة تحوّل ذاك الحبّ إلى حبّ استحواذي من ملامحه السّيطرة والرّغبة في إدارة المحبوب ،ومن أهدافه جعل حبّ من يهواه حتما وطاعته فرضا  .                           
كثيرة هي العوامل التي تساهم في تبلور الشّخصية الاستحواذية، أهمها مرتبط بمرحلة الطفولة، منها إهمال الأبوين، هجرهما، تدليلهما وحمايتهما الزائدة للطفل .وعند دخوله في علاقة  عاطفية يكون حبّه مبطّنا بالخوف من فقد محبوبه.ومظهرا لمتلازمة عطيل "الغيرة الشديدة" .    
المحّب الاستحواذي يركّز دائما على نفسه،مفتتن بذاته، لا يرى سواها، نرجسيته تجعله لا يقبل ولا يستوعب قرار رفضه من طرف الآخر، أو انفصاله عنه،  وقد يدفعه هوسه العاطفي إلى تهديد محبوبه واستخدام العنف بما في ذلك سفك دمه إذا استعصى عليه وصاله.                              
إذا كان الأصمعي قد قال قديما :من الحبّ ما قتل فإن العاشق الاستحواذي في السنوات الأخيرة قد أضاف لكلامه" ومن العاشقين من قتل "، من هدّد معشوقته  ،من شحذ سكاكينه وطعنها ليتركها جثة هامدة بلا حراك  ، لتتحرك كاميرا هاتفه تصور دماء المعشوقة المتناثرة هنا وهناك ولتوضع على خاصية" استوري "عاشق من زمننا السائل لينسخ ما قال قيس بن الملوح :                     
عفا الله عن ليلى وإن سفكت دمي
لربّما ما هز مشاعر العالم العربي في الشهور الأخيرة مرتبط بعضه بهوس "تريند" لربّما متعلّق بإرادة بعض الأشخاص في جعل نهايته نهاية درامية مصورة، لكن يظل السبب الأساسي في هذا الأمر يتمثل في  تراجع الرغبة في الحياة عند بعض الشباب مقابل الرغبة في الموت، في الخلاص من شرنقة تكاليف الحياة ،وأيضا يتجلى  في قصور في فهم عاطفة الحبّ الحقيقية التي تدفع المحبّين إلى امتلاك مشاعر أحبّتهم عوض حياتهم ، إلى جعلهم أحرارا  قريبين منهم باختيارهم لا غصبا ولا قهرا.                       
إنّ عاطفة الحب الحقيقية تدفع العاشقين إلى تقديم قرابين الفداء والتضحية لمن يعشقون، بدل جعلهم  قرابين نرجسية قاتلة  ٍيتساوى فيها دم المعشوق المسفوح والماء المصبوب، قرابين حبّ رأسمالي  يمجّد الفردانية والمصلحة الشخصية، لعلّنا بدأنا في حصد نتائجه.. في إراقة دماء من نحّب بنصل سكاكين  يجهز بها العاشق على معشوقته ،يهمد حركتها ويهمد حركته  لتقيّدها أغلال العشق الممنوع .  فيا لخوفي من أن يستنسخ المجتمع المغربي وقائع جرائم الهوى التي  حدثت في مصر والأردن،  ويا لخوفي من أن ينسخ قول  نزار قباني  على لسان قارئة الفنجان :  
يا ولدي قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب........................................